"نيويورك تايمز": انقسام داخل مجتمع الميم حول حدود الحماية وحرية التعبير

"نيويورك تايمز": انقسام داخل مجتمع الميم حول حدود الحماية وحرية التعبير
مجتمع الميم- أرشيف

يُثير موضوع حقوق المتحولين جنسياً جدلاً واسعاً في الولايات المتحدة، خاصة في ظل تعاظم الأصوات التي تتساءل عن مدى تأثير المطالب الجندرية الحديثة على المجتمع الأوسع، وتبرز هذه التساؤلات بشكل خاص داخل أوساط مجتمع الميم نفسه، حيث يتقاطع النقاش بين حماية الحقوق الفردية والحفاظ على معايير اجتماعية قائمة.

ونشر الكاتب أندرو سوليفان مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز" بتاريخ 29 يونيو، بعنوان: "المثليون انتصروا.. فلماذا نشعر وكأننا خاسرون؟"، عبّر فيه عن قلقه من الطريقة التي يتم بها الدفاع عن حقوق المتحولين، معتبراً أن بعض النشطاء يسعون إلى تقويض مفهوم الثنائية الجندرية وتجاهل هوية الآخرين.

ونشرت الصحيفة، اليوم الأربعاء، مجموعة من ردود أفعال القراء حيث عبّرت القارئة سكايلر بريت، بصفتها والدة لطفلة متحولة جنسيًا وتقيم في سياتل، عن قلقها البالغ من تبعات الخطابات والتشريعات المعادية للمتحولين المنتشرة مؤخرًا.

رأت بريت أن هذه المواقف قد تفضي إلى تهديد مباشر لسلامة طفلتها الجسدية والنفسية، وتغرس في داخلها شعورًا بالإقصاء وعدم القبول، وأكدت أنها وجدت عزاءها في شهادات وتجارب البالغين المتحولين الذين تجاوزوا ظروفًا أشد قسوة، داعية إلى إتاحة الفرصة لقيادات متحولة بارزة تشارك المجتمع بخبراتها.

صراع داخل مجتمع الميم

عبّر الناشط الديمقراطي آلان د. كوغان، وهو رجل مثلي يقيم في أوشن بارك بولاية واشنطن ويبلغ من العمر قرابة السبعين عامًا، عن تأييده لما ورد في مقال سوليفان.

رأى كوغان أن المقال أعاد إحياء النقاش الصريح حول الهوية الجندرية، مثنيًا على فسحه المجال للأصوات المعارضة، أشار كوغان إلى أنه نشأ كشاب أنثوي لكنه نما ليصبح رجلاً مثليًا واثقًا، وهو ما يؤكد -من وجهة نظره- أن تجربة عدم التوافق الجندري في سن مبكرة لا تقتضي بالضرورة الخضوع لإجراءات طبية أو تبني هوية ثابتة.

وجّه كوغان انتقاده لما وصفه بـ"الأيديولوجيا الجندرية الضارة"، وخاصة عند تطبيقها على الأطفال والمراهقين، محذرًا من مخاطر التدخل المبكر في تحديد الهوية الجندرية، وداعمًا لسوليفان في طرحه أسئلة صعبة من دون مساس بحقوق البالغين المتحولين.

التعبير الجندري في الطفولة

روت المعلمة البريطانية لوسي كين تجربتها الخاصة مع الهوية الجندرية في الطفولة، مشيرة إلى أنها عندما بلغت التاسعة من عمرها، قامت بقص شعرها وارتداء ملابس الصبيان، بل وطلبت أن يُطلق عليها اسم برايان، أوضحت كين أن هذا السلوك لم يُعامل حينها كمرض أو حالة دائمة، بل كجزء طبيعي من عملية الاستكشاف الذاتي والنمو.

أكدت كين، التي تبلغ من العمر الآن 37 عامًا وتعمل في قطاع التعليم، أن مظاهر عدم التوافق الجندري ما زالت حاضرة في شخصيتها وسلوكها، عبّرت عن خشيتها من الانكماش المتزايد في مساحة حرية التعبير داخل الفصول الدراسية، حيث بات طلابها المراهقون يتجنبون مناقشة هذه القضايا خوفًا من الوقوع في الخطأ أو الوصم، اعتبرت كين أن مقال سوليفان أتاح بصيص أمل لفتح مساحة حقيقية للحوار المتعدد.

وقدّمت الكاتبة كريستي كليبكا، المقيمة في أرفادا بولاية كولورادو، نقدًا لاذعًا لما وصفته بتجاهل سوليفان للواقع اليومي الذي يعيشه أفراد مجتمع الميم، رأت كليبكا أن اختلال ميزان القوى لا يزال قائماً، وأن تصوير حركة حقوق مجتمع الميم بأنها قد بلغت ذروتها فيه إغفال للضغوط المستمرة التي يواجهها هؤلاء الأفراد، سواء في المجالين الاجتماعي أو القانوني.

ورفضت كليبكا الزعم بأن الدفاع عن حقوق المتحولين جنسيًا يمثل موجة راديكالية جديدة، مشيرة إلى أن هذا المسار له جذور فكرية عميقة في تاريخ الفكر النسوي والكويري تعود إلى الثمانينيات وما قبلها، مستشهدة بمفكرات مثل جوديث بتلر، ودونا هارواي، وأودري لورد، وسيمون دي بوفوار.

شككت كليبكا في ادعاء سوليفان بأن النشطاء يغلقون باب النقاش، مؤكدة أن التضييق الحقيقي يأتي من قوى سياسية واجتماعية تعمل على تجريم الوجود الكويري وحرمانهم من الرعاية الصحية.

نقاش لا يزال مفتوحًا

كشفت الرسائل التي تلقتها صحيفة "نيويورك تايمز" بشأن مقال أندرو سوليفان عن عمق الانقسام داخل مجتمع الميم، فضلاً عن تباين المواقف داخل المجتمع الأمريكي الأوسع بشأن مسائل الهوية الجندرية، وبين من يرى أن الحقوق الجندرية قد وصلت إلى مداها الكافي، ومن يعتبرها لا تزال في بداياتها.

ويبقى النقاش قائمًا حول الجهة التي تملك سلطة تعريف الهوية، والطريقة المُثلى لتحقيق توازن بين حرية التعبير وحق الأفراد في العيش بأمان وكرامة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية